
فشل التوجيه المدرسي يُعمّق أزمة اختيارات الشباب بعد البكالوريا
هبة بريس – الشاهد صابر صحفي متدرب
مع كل دورة بكالوريا، يجد الآلاف من الشباب أنفسهم أمام مفترق طرق مصيري يحدد مسارهم التعليمي والمهني.
ومع ذلك، فإن ما يفترض أن يكون عملية إرشادية داعمة، غالباً ما يتحول إلى محنة حقيقية، مدفوعة بتضارب الطموحات العائلية مع الميولات الشخصية للطلاب.
هذه الضغوط، التي يفرضها الأهل والمجتمع، لا تقتصر على تقييد حرية الاختيار فحسب، بل تُبرز أيضاً ضعفاً كبيراً في منظومة التوجيه نفسها، تاركة الشباب يتخبطون في قرارات مصيرية دون دعم كافٍ.
و يؤكد الخبراء التربويون أن التوجيه الأكاديمي المثالي يجب أن ينبع من فهم عميق لقدرات الطالب واهتماماته. لكن الواقع يكشف عن هيمنة للتفضيلات الأسرية والمجتمعية، التي غالباً ما ترفع من شأن تخصصات معينة (كالطب، الهندسة، والاقتصاد) على حساب أخرى، مما يعكس قصوراً في رؤية التوجيه الشامل.
هذا النهج الأحادي يؤدي إلى عواقب وخيمة، تشمل عدم التوافق الدراسي، ارتفاع مستويات القلق، فقدان الدافع، الضغوط النفسية، وحتى التسرب الجامعي المبكر.
من جانبه، يرى باحث في مجال التوجيه أن هذه العملية لا ينبغي أن تكون مجرد قرار عابر بعد البكالوريا، بل استثماراً طويل الأمد في الذات.
وينتقد بشدة تركيز الأسر المبالغ فيه على المسارات التقليدية، مما يؤدي إلى تهميش تخصصات حيوية أخرى وتفريغ التوجيه من مضمونه التربوي الحقيقي.
ويدعو إلى تحويل التوجيه إلى مسار مستمر يبدأ من مراحل التعليم المبكرة، مدعوماً بمواكبة نفسية وتربوية تساعد الطلاب على اكتشاف ذواتهم وإمكاناتهم بحرية تامة.
كما يشدد على ضرورة مواءمة التوجيه مع متطلبات سوق العمل، مع تطوير آفاق واعدة للتخصصات الأدبية والإنسانية لإعادة الاعتبار للمسارات التي عانت من التهميش وغياب الرؤية.
ويذهب باحث آخر في علم النفس الاجتماعي إلى أبعد من ذلك، مشيراً إلى أن الطلاب غالباً ما يُعاملون كأدوات لتحقيق آمال الأهل، بدلاً من الاعتراف بهم كأفراد مستقلين لهم تطلعاتهم الخاصة.
ويؤكد أن غياب الاعتراف باستقلالية الطالب في اتخاذ قراراته التعليمية يؤدي إلى ضغوط نفسية هائلة، تراجع في الأداء، وشعور مبكر بالفشل.
وهذا يبرز كيف أن النظام التعليمي يفقد بعده الإنساني عندما يتم تجريد التوجيه من قيمته التربوية ويُختزل في مجرد إنتاج شهادات، بدلاً من بناء شخصيات متكاملة.
ويدعو إلى إعادة تقييم شاملة لثقافة التوجيه السائدة داخل الأسر، وتحويل المؤسسات التعليمية إلى فضاءات مفتوحة للحوار والدعم النفسي.
وعلى الرغم من المبادرات والإصلاحات الرسمية، كجهود وزارة التربية لتعميم فضاءات التوجيه وزيادة أعداد المستشارين التربويين، والتي جاءت استجابة لدعوات ملكية لإنشاء نظام توجيه مبكر فعال، فإن الكثير من الطلاب لا يزالون يقعون ضحية لتوجيه غير دقيق أو مفروض عليهم.
هذا يثير تساؤلات جدية حول فعالية المقاربات الحالية في التوجيه، ويؤكد الحاجة الماسة إلى استراتيجية شاملة تُلزم جميع الأطراف المعنية – الأسر، المدارس، وصناع القرار – بتبني ثقافة توجيه مبكر، حر، ومسؤول، لضمان مستقبل أفضل لأجيالنا الصاعدة.
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على WhatsApp
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على Telegram
تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على X