موجة التسممات الغذائية بالمغرب.. خطر صيفي متجدّد يهدد الصحة العامة

هبة بريس – عبد اللطيف بركة

مع ارتفاع درجات الحرارة وتزايد الإقبال على المأكولات السريعة، تسجّل عدة مدن مغربية في الآونة الأخيرة حالات تسمم غذائي متكررة، كان آخرها في تارودانت، الجديدة، مراكش، وتزنيت.

حالات ظهرت فجأة على مستهلكين تناولوا وجبات خفيفة من محلات بيع الأطعمة السريعة، مصحوبة بأعراض مقلقة كآلام البطن، القيء، الإسهال، وأحيانًا مضاعفات صحية خطيرة.

ورغم أن الظاهرة تتكرر كل صيف تقريبًا، إلا أن ما يزيد الوضع خطورة هذا العام هو التواتر المتقارب لتلك الحالات، وكثافتها في مناطق متفرقة، ما يطرح تساؤلات جادة حول كفاءة تدابير الوقاية والمراقبة، وحول مدى جاهزية السلطات لمواجهة هذا النوع من التهديدات الصحية.

– تسممات غذائية موسمية… ولكنها ليست عابرة

يرى خبراء الصحة أن التسممات الغذائية في فصل الصيف ظاهرة مألوفة لكنها لا يجب أن تُعتبر “عادية” أو محتملة، إذ يحذر الدكتور نبيل محسن، الباحث في المايكروبيولوجيا والأمراض المعدية، في تصريحه لـ”هبة بريس” من التهاون مع مسببات هذه التسممات، مشيرًا إلى أن “ارتفاع الحرارة والرطوبة، وسوء شروط التخزين والنقل، كلها بيئة خصبة لتكاثر البكتيريا والميكروبات، مما يؤدي إلى تعفُّن المواد الغذائية بسهولة، خاصة تلك الطازجة أو المطبوخة جزئياً”.

وأضاف أن أعراض التسمم قد تظهر بعد ساعات أو أيام من تناول الطعام الملوث، وقد تصل في بعض الحالات إلى تهديد الحياة، خاصة بين الأطفال وكبار السن، والمصابين بأمراض مزمنة.

– المأكولات السريعة في قفص الاتهام

الوجبات السريعة المنتشرة في الأسواق والأحياء الشعبية تُعدّ من أبرز المتهمين في هذه السلسلة من التسممات، نظراً لاعتمادها على مكونات سريعة التلف، وضعف شروط النظافة في تحضيرها أو تخزينها،كما أن ارتفاع الطلب عليها، خاصة في فصل الصيف، يجعل الباعة لا يكترثون أحيانًا بجودة المواد أو نظافتها.

وكانت السلطات المغربية، في عدة مدن، قد أعلنت في وقت سابق عن ضبط أطنان من المواد الفاسدة في مستودعات أو محلات تجارية، ضمن حملات تفتيش فجائية،إلا أن هذه الجهود، رغم أهميتها، لا يبدو أنها كافية لوقف النزيف، ما يدعو إلى تعزيز الرقابة بشكل أكثر نجاعة واستباقية.

السلطات مدعوة للتحرك العاجل

المسؤولية لا تقع فقط على التجار أو المواطنين، بل هناك دور محوري للجهات المختصة من سلطات محلية، ومكاتب حفظ الصحة، والشرطة الإدارية، للرفع من وتيرة المراقبة، خاصة في فصل الصيف، والتعامل الصارم مع كل من يعرض صحة المواطنين للخطر.

من الضروري إطلاق حملات توعية ميدانية وشبكية، معززة بتدخلات صارمة ضد المحلات العشوائية، وتنفيذ عمليات تفتيش دورية في الأسواق والمطاعم ومحلات الوجبات السريعة، وأماكن تخزين المواد الغذائية.

– الوقاية خير من العلاج

يؤكد الدكتور نبيل أن الوقاية تبدأ من المواطن، داعيًا إلى ضرورة:

تجنُّب الأطعمة المجهولة المصدر أو ذات الرائحة أو المظهر المشبوه، مع
حفظ الطعام في درجات حرارة مناسبة، وطهي الطعام جيدًا وعدم تركه لأكثر من ساعتين في درجة حرارة الغرفة، مع ضرورة غسل اليدين جيدًا قبل وبعد إعداد أو تناول الطعام.

وفي حالة ظهور أعراض التسمم، يُوصى بشرب الكثير من السوائل، والراحة، ومراجعة الطبيب فورًا لتجنُّب المضاعفات.

– فصل الصيف لا يعفي من المسؤولية

إن تكرار حالات التسمم في المغرب خلال الصيف يجب أن يُنظر إليه كجائحة موسمية صامتة، تتطلب خطة وطنية واضحة تشمل الوقاية، المراقبة، التوعية، والعقوبات. فصحة المواطن ليست رفاهية، وموسم الصيف لا ينبغي أن يتحول إلى موعد سنوي مع الخطر.

المطلوب اليوم، أكثر من أي وقت مضى، يقظة جماعية لمواجهة تحدٍّ يمس الأمن الصحي العام، ولا يقبل بأي تهاون.



قراءة الخبر من المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى