بعد عجز وزير التجارة و الصناعة.. من يحمي ماركات العطور العالمية من “تجار الإنستغرام”؟

هبة بريس ـ الرباط

في زمن أصبحت فيه الشهرة بديلا عن الكفاءة، تحولت صفحات “الإنستغرام” و”الفيسبوك” و حتى “التيكتوك” إلى أسواق مفتوحة لترويج كل شيء، حتى لو تعلق الأمر بسلع مقلدة تنتهك قوانين الملكية الفكرية.

الأخطر في هذا الواقع، أن الأمر لا يتم في الخفاء، بل يتم الترويج له بوجوه فنية وإعلامية معروفة، في حملة تجارية عابرة للقانون و متحدية له برعاية الصمت الرسمي و مباركة الوزارة المختصة.

مؤخرا، ظهرت الممثلة “فاطمة الزهراء. ق” في فيديو ترويجي لعطر منخفض الثمن، تقدمه على أنه نسخة طبق الأصل من عطور عالمية شهيرة مثل Si و J’adore، و لم تكتف الفنانة السالفة الذكر بالمقارنة بين النسخة الأصلية والمقلدة، بل زكت الأخيرة، معلنة أن الفرق بينهما “منعدم”.

إعلان قد يبدو للوهلة الأولى تجاريا عابرا، لكنه في حقيقته جرس إنذار حقيقي عن ظاهرة تتسع يوما بعد آخر، و هي الترويج العلني لمنتجات مزورة في ظل غياب تام لأي تدخل من وزارة التجارة والصناعة.

وراء هذه الحملة “العطرية”، تقف شركات صغيرة أو حتى “وهمية”، بعضها لا توجد في السجلات التجارية الرسمية، ولا تمتلك معامل أو تراخيص صناعية، بل تكتفي بإنشاء صفحة على مواقع التواصل الاجتماعي، والتواصل مع مؤثر أو فنان له قاعدة جماهيرية كبيرة، ما يحدث بعد ذلك هو تواطؤ صامت بين الجهل بالقانون والرغبة في الربح السريع.

هذه الشركات لا تدفع ضرائب، ولا تحترم معايير التصنيع والتغليف، ولا تخضع لرقابة المختبرات الوطنية، لكنها في المقابل تجد الدعم غير المباشر من شخصيات عامة ترضى أن تكون وجها دعائيا لمنتجات قد تضر بالصحة العامة أو تورطها في مساءلات قانونية دولية بسبب التعدي على علامات محمية عالميا.

و رغم أن القانون رقم 17.97 المتعلق بحماية الملكية الصناعية، كما تم تغييره وتتميمه، ينص بشكل صريح في المادة 135 وما يليها على أن “كل استنساخ أو تقليد أو استعمال غير مشروع لعلامة تجارية محمية يعد تزويرا يعاقب عليه القانون”، فإن الواقع يكشف أن هذه النصوص تبقى حبرا على ورق أمام تقاعس الجهات المكلفة بالتنفيذ.

وينص نفس القانون على غرامات مالية ثقيلة، وحتى عقوبات حبسية تصل إلى خمس سنوات ضد من يروج أو يبيع أو يصنع منتجات تحمل علامات مزورة، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، ومع ذلك، لا نرى تحريكا لأي متابعات ضد من يسوقون لهذه العطور علنا على مواقع التواصل.

المثير للقلق هو غياب أي موقف رسمي من وزارة التجارة والصناعة، فكل المؤشرات والدلائل متوفرة، علامات تجارية مقلدة، إشهارات علنية، أسماء الشركات أو المروجين معروفة، بل تمارس نشاطها أمام أنظار الجميع، دون أن تحرك السلطات ساكنا، فأين هي حملات التفتيش؟ أين مراقبة السوق؟ وأين حماية حقوق الملكية؟.

في بلدان تحترم نفسها، يكفي إعلان واحد يروج لسلعة مقلدة حتى تتحرك الأجهزة الرقابية والنيابات العامة، أما في المغرب، فـ”المقلد” يكافأ بالوصول إلى جمهور أوسع، و”الأصلي” يعاقب بخسارة حصته من السوق.

المفارقة الصادمة أن وزير التجارة والصناعة المغربي في كل المنتديات الاقتصادية الدولية و في كل مناسبة، يدعو المستثمرين الأجانب لإنشاء مصانعهم في المغرب، والتعويل على النظام القانوني الوطني لحماية ابتكاراتهم وحقوقهم، لكن كيف يمكن لشركة عالمية أن تثق في بيئة استثمار، وهي ترى منتوجاتها تقلد محليا وتباع علنا دون أدنى رد فعل رسمي؟

هذا التناقض الصارخ بين الخطاب الدبلوماسي التسويقي وبين الواقع العملي داخل الأسواق المغربية، يسيء لصورة المغرب كمركز صناعي صاعد، ويدفع العلامات العالمية إلى إعادة حساباتها بشأن الاستقرار القانوني في البلد.

السكوت عن هذه الممارسات لا يضرب فقط حقوق الشركات الكبرى، بل يجهز على فرص الشركات المغربية الجادة التي تشتغل في قطاع العطور برؤوس أموال وطنية، وتلتزم بالجودة والمواصفات القانونية، كما يرسل رسالة سلبية لكل مستثمر محتمل أن لا جدوى من احترام القانون ما دام التقليد يغض الطرف عنه.

حماية السوق الوطنية من هذه الفوضى لم تعد خيارا، بل مسؤولية ملحة تقع على عاتق وزارة التجارة والصناعة أولا، وعلى الهيئات المهنية والقانونية ثانيا، قبل أن نجد أنفسنا أمام سوق مواز يبتلع الرسمي، و”نجوم” سوشيال ميديا يصنعون الخراب بابتسامة.

و إلى أن يتحرك الوزير المعني، تظل مواقع التواصل الاجتماعي شاهدة على عمليات تزوير عطور عالمية برعاية مشاهير يتحدون القانون و الوازاع الأخلاقي، فما يهم بعضهم هو قيمة “الكاشي” و ليس شيء آخر مادام القانون جامد لا يطبق سوى على “الدراوش” من أبناء الشعب…



قراءة الخبر من المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى