برود روحاني يلف رأس السنة الهجرية في المغرب

هبة بريس – عبد اللطيف بركة

بينما تتأهب العديد من بلدان العالم للاحتفال ببداية العام الميلادي، بزينةٍ وضوضاء وطقوس لا تغيب عنها مظاهر الفرح، تمرّ مناسبة السنة الهجرية في المغرب هذا العام الذي يصادف 26 يونيو الجاري ، كظل عابر، لا يكاد يلاحط .

ورغم رمزية هذا التاريخ في الذاكرة الدينية الإسلامية، فإنّ ارتباطه بالعادات المجتمعية بدأ يتلاشى بشكل ملحوظ، خاصة في المدن الكبرى.

– غياب الحسّ الرمزي والديني

في حديثه عن هذه المفارقة، يقول خالد بن زيدان، موظف في قطاع الاتصالات بالرباط، إن ما يلاحظه كل عام هو نوع من “اللامبالاة الجماعية” تجاه بداية السنة الهجرية.

“لا أحد يسأل عن دخول السنة الجديدة، لا رسائل تهنئة، لا أجواء استثنائية، تشعر كأن الأمر يخصّ تقويماً مكتبياً أكثر من كونه محطة لها معنى في الوعي الجماعي.”.

بالنسبة لخالد، فإن هذا البرود يعود إلى غياب الثقافة الدينية المؤطرة للاحتفال، إلى جانب التأثير المتزايد لوسائل الإعلام التي تتجاهل الحدث كلياً، مقارنة بما يحدث في رأس السنة الميلادية.

– تراجع الإقبال التجاري: الحلوى لا تباع

في قلب مدينة أكادير، تكشف سميرة.أ، عاملة بمحل تقليدي لصناعة الحلوى، عن واقع تجاري يعكس هذا الفتور المجتمعي:”في السابق كنا نحضّر صناديق الغريبة والفطائر ونسهر على تجهيز الطلبات قبل يوم المحرم، الآن لا أحد يسأل عنها، لا أذكر آخر مرة باع المحل حلويات مخصصة لهاذ المناسبة.”.

تضيف سميرة بأسى: “الناس لا يعرفون حتى متى تبدأ السنة الهجرية، فكيف سيشترون من أجلها؟ بينما، عند رأس السنة الميلادية، يُقبل الزبناء على الطلبات حتى لو كانت الأسعار مرتفعة”.

– رأي علم الاجتماع: هل هي نهاية طقس رمزي؟

من جانبه، يرى الدكتور جمال الأيوبي، أستاذ علم الاجتماع ، أن ما يحدث لا ينبغي اختزاله في مفردات “الإهمال” أو “التقليد الأعمى”، بقدر ما هو انعكاس لتحوّلات عميقة في بنية القيم داخل المجتمع المغربي.

“ما نشهده هو انتقال تدريجي من المرجع الديني إلى المرجع الزمني المادي، حيث تسيطر المناسبات المرتبطة بالعطل والإعلام الاستهلاكي.
رأس السنة الميلادية، مهما كانت خلفيته، تُحتفى به لأنه بات جزءاً من الوعي الجماعي العالمي، بعكس السنة الهجرية التي بقيت محصورة في المعنى الرمزي داخل المؤسسات الدينية فقط”.
ويرى الأيوبي أن المسؤولية ليست فردية بل جماعية، تبدأ من المؤسسات الثقافية والتربوية، مرورًا بالإعلام الذي يُكرّس الاحتفالات العالمية ويُهمل الموروث المحلي.

– بين المدن والقرى: تقاليد باقية في الأطراف

ورغم هذا البرود الحضري، ما تزال بعض القرى والمناطق الجبلية تحتفي بالسنة الهجرية بطريقتها الخاصة، في إحدى ضواحي نارودانت تقول فتيحة.س، ربة بيت: “كل سنة نحيي الليلة الأولى بمحضر ديني جماعي، فيه الأمداح والقرآن، البنات يشترين أزياء جديدة، ونعدّ ما تيسر من الطعام، ليس ترفًا بل عادة مقدسة عندنا.”

فتيحة تعتبر هذه الطقوس “واجبًا رمزيًا” أكثر من كونه احتفالًا، معتبرة أن المدن الكبرى فقدت هذا الارتباط لصالح أنماط عيش استهلاكية معولمة.

– من المسؤول؟

بين من يعتبر الاحتفال بالسنة الهجرية بدعة دينية، ومن يرى في الأمر تراجعًا ثقافيًا، ومن يتحدث عن “عقدة النمط الغربي”، تبقى النتيجة واحدة: مناسبة دينية ذات بعد حضاري تمرّ في صمت، في مجتمع يتأرجح بين تراثٍ يتآكل وزمنٍ يسير بسرعة نحو العولمة.

المطلوب اليوم ليس بالضرورة تزيين الشوارع أو قرع الطبول، بل على الأقل استعادة البعد التربوي والروحي لهذا التاريخ، باعتباره جزءاً من الهوية المغربية، وليس فقط من الروزنامة الإسلامية.



قراءة الخبر من المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى