السلطات التربوية بالجديدة في معالجة ميدانية مندمجة لظاهرة الهدر المدرسي

مصباح أحمد – الجديدة

ظلت ظاهرة الهدر المدرسي على امتداد عقود من الزمن تؤرق القائمين على قطاع التربية الوطنية والأسر والمنظمات الحكومية وغير الحكومية الناشطة في هذا المجال؛ ومن ثم لم يخل أي مشروع لإصلاح منظومة التربية والتكوين من خطط وبرامج للحد من هذه الظاهرة، ومن أثرها المباشر على النهوض بالقطاع وتحسين مؤشراته. حيث شكل هذا الموضوع تحديا حقيقيا يتحكم في المؤشرات وعلى قياس نجاح المشاريع والبرامج الإصلاحية؛ كما يؤثر على تصنيف المغرب على السلم الدولي للتنمية البشرية.

ووعيا من الوزارة الوصية بأهمية المحور، فقد اعتبرته مقياسا لنجاعة الأداء وعنوانا للحكامة الجيدة؛ حيث دأبت سنويا على تنظيم حملات منتظمة للتعبئة المجتمعية، للتحسيس والتعريف بالأهمية التي يحظى بها هذا الموضوع لدى الدولة، وعلى رأسها الملك محمد السادس الذي تناول الموضوع في عدد من خطاباته السامية، أكد فيها جلالته على إلزامية التمدرس، وحق الطفل في الحصول على تعليم إلزامي عصري وجيد، الى حدود سن السادسة عشرة، وتلا ذلك الدستور الذي أكد على حق التمدرس للأطفال وإلزاميته، بعدها جاء القانون الاطار51-17 وخارطة الطريق 2022/2026، التي أكدت على ضرورة تقليص نسب الهدر، بمقدار الثلث في افق 2026والتحكم فيها.

وعلى مستوى الميدان تعمل المديرية الإقليمية سنويا على تنظيم حملات للتعبئة المجتمعية، وفي مقدمتها عملية من “الطفل الى الطفل” التي تستهدف رصد الأطفال و اليافعين الموجودين خارج المدرسة، أو المحتمل مغادرتهم لها، بمشاركة المؤسسات التعليمية ومراكز الفرصة الثانية الجيل الجديد، عبر تنظيم أنشطة وحصص توعوية حول هذه الظاهرة واستضافة باحثين ومختصين للمشاركة في عملية التعبئة والتحسيس، حيث تنظم زيارات ميدانية الى المؤسسات التعليمية والمساجد ودور الرعاية الاجتماعية وأحيانا إلى الأسواق الأسبوعية بالوسط القروي، للتواصل الواسع مع الآباء، وفي إطار برنامج عملها أعدت المديرية الإقليمية مخططا استباقيا يرنو إلى تجفيف منابع هذه الظاهرة والتعريف بخطورتها الآنية والمستقبلية. من خلال تشكيل لجن إقليمية تزور المؤسسات التعليمية، حسب جدولة زمنية محددة، بالتنسيق مع السلطات المحلية والإقليمية وجمعيات الآباء والتلاميذ. وتنزيلا لذلك عملت المصلحة المختصة بالمديرية الاقليمية على تنظيم قافلة زارت العديد من المؤسسات التعليمية والجماعات الترابية، خلال شهري أبريل وماي 2025 وخاصة تلكم التي تسجل أعلى نسب للهدر المدرسي، حيث قامت بتنشيط لقاءات تواصلية وورشات بمشاركة الإدارة التربوية والمدرسين والتلاميذ والأسر وممثلي السلطة المحلية، وأساتذة باحثين في هذا المجال، لمعالجة ميدانية مندمجة للظاهرة وتفكيك بنيتها التركيبية، واقتراح أنماط تدبيرية لدمجها في مسار معالجة معيقات الإصلاح التربوي المنشود.

وعلى سبيل المثال لا الحصر تجد الخطة سندها في حافظة المشاريع والآليات التي تستند اليها السياسة العامة للقطاع، وفي مقدمة ذلك برامج الدعم الاجتماعي بكل أشكالها، كالدعم المباشر للأسر والمنح الدراسية والاطعام المدرسي والنقل المدرسي وتقريب المدرسة من التلميذ وتوسيع شبكة المدارس الجماعاتية، وتوسيع شبكة مدارس الريادة، وغيرها من البنيات والآليات،
وتبقى القوافل التحسيسية كشكل من أشكال التعبئة في الرصد المباشر لحالات الهدر المدرسي والمعالجة الميدانية إجراء هاما يحقق المبتغى، وهنا تكفي الإشارة الى العدد المهم من التلاميذ الذين واصلوا مشوارهم الدراسي بنجاح بعد استعادة مقاعدهم الدراسة بفضل هذه التعبئة. فخلال الموسم الدراسي الماضي تم استرجاع أكثر من 1000 تلميذا وتلميذة من المغادرين للصف الدراسي في سن مبكرة أو الذين لم تتح لهم الفرصة لولوج المدرسة، ومن المتوقع إبرام شراكات مع جمعيات المجتمع المدني لتدريس 60 تلميذا في إطار برنامج الفرصة الثانية الجيل الأساس و40 تلميذا في الجيل الجديد، كما يخضع350 تلميذا(ة) حاليا للمواكبة التربوية في أفق مضاعفة هذه الاعداد في الموسم القادم.
وفي انتظار بلورة آليات أخرى أكثر فعالية، تبقى التعبئة المجتمعية وعملية من “الطفل الى الطفل” تحديدا، طريقة بسيطة ومثمرة لكن لابد من تعزيزها ببدائل مبتكرة استباقية، تركز بالأساس على الاحتفاظ بالتلميذ بالمؤسسة قدر الإمكان، وتكثيف برامج المواكبة كالدعم التربوي والدعم الاجتماعي وتنسيق الجهود المبذولة من كافة المتدخلين.



قراءة الخبر من المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى