الدعم العمومي للأحزاب المغربية بين مطلب الشفافية وتباين الالتزام بالقانون

هبة بريس – عبد اللطيف بركة 

تسعى الدولة المغربية، من خلال تقديم الدعم العمومي للأحزاب السياسية، إلى تعزيز قدراتها التنظيمية وتمكينها من أداء أدوارها الدستورية في التأطير السياسي والمشاركة الديمقراطية.

هذا الدعم، المؤطر بمقتضى القانون التنظيمي رقم 29.11 المتعلق بالأحزاب السياسية، يخضع لشروط صرف ومراقبة دقيقة، حيث تُلزم الأحزاب بتبرير أوجه صرف الأموال العمومية وإرجاع ما لم يتم استعماله إلى خزينة الدولة.

غير أن الواقع يكشف عن اختلالات في تدبير هذا الدعم، دفعت بوزارة الداخلية ومجلس الأعلى للحسابات إلى التدخل، ومراسلة عدد من الأحزاب من أجل إرجاع مبالغ لم يتم صرفها.

هذا الوضع يسلط الضوء من جديد على مدى التزام الأحزاب بالشفافية المالية، ويطرح أسئلة عميقة حول جدوى الدعم العمومي في ظل غياب الحكامة الرشيدة.

– دعم بملايين الدراهم… وتباين في تدبيره

تُمنح الأحزاب دعما سنويا يختلف حسب تمثيليتها البرلمانية وعدد الأصوات والمقاعد المحصل عليها، إضافة إلى دعم متعلق بتدبيرها الإداري. ويتم صرف هذه الأموال وفق معايير واضحة، لكن الواقع يكشف عن تفاوتات كبيرة بين الأحزاب في احترام هذه المعايير.

وزارة الداخلية، في خطوة غير معهودة من حيث العلنية، وجهت خلال موسم 2024 مراسلات رسمية إلى عدد من الأحزاب، تطالبها بإرجاع المبالغ غير المصروفة أو التي لم يتم إثبات صرفها، وفقًا للمادة 43 من القانون التنظيمي المذكور، التي تنص صراحة على ضرورة “إرجاع المبالغ غير المستعملة إلى الخزينة العامة تلقائيًا”.

– حزب الاستقلال… 1.12 مليون درهم تُرجع بعد شكاية داخلية

 

من بين أبرز النماذج التي طالتها هذه المراسلات، حزب الاستقلال، أحد أعمدة التحالف الحكومي، الذي وجد نفسه في قلب جدل داخلي بعد أن تقدم أحد أعضائه بشكاية رسمية تتعلق بـ”شبهات في صرف أموال الدعم”.

النتيجة كانت إرجاع مبلغ 1.12 مليون درهم (11.2 مليار سنتيم) إلى خزينة الدولة، بعد افتضاح الأمر، ما أعاد للواجهة سؤال الحكامة داخل الأحزاب الكبرى، ومدى اعتمادها لآليات الرقابة الداخلية.

هذا التحرك – وإن اعتُبر إيجابيًا من زاوية احترام القانون – يعكس في الآن ذاته وجود خلل هيكلي في تدبير المال العام داخل الأحزاب، ويفتح الباب أمام مطالب بإحداث هيئات محاسبة داخلية مستقلة.

– حزب التقدم والاشتراكية… رفض الإرجاع وتمسك بالتبرير

نموذج مغاير مثّله حزب التقدم والاشتراكية، الذي رفض إرجاع مبلغ 31 مليون سنتيم، برسم مساهمة الدولة لسنة 2023. الحزب أوضح، في رده على وزارة الداخلية، أنه صرف كامل الدعم البالغ 362 مليون سنتيم، وأن الفرق بين مبلغ الدعم ومصاريف الحزب المحددة في 331 مليون سنتيم، تم استعماله في أغراض مشروعة ومثبتة بوثائق رسمية.

رغم هذا التبرير، ترى وزارة الداخلية ومجلس الحسابات أن المبلغ المذكور يمثل فائضًا يجب إرجاعه، استنادًا إلى تقارير التدقيق المحاسبي. وهنا تتقاطع الروايتان: الإدارة تعتبر الفائض غير مبرر قانونًا، بينما الحزب يراهن على تفسير مرن لمفهوم “الصرف المشروع”.

– بين الاستجابة والرفض… أحزاب تتماطل وأخرى تتفاعل

اللافت أن التفاعل مع مراسلات الداخلية جاء متفاوتًا؛ فبينما بادرت بعض الأحزاب إلى تسوية وضعيتها المالية وإرجاع المبالغ المتبقية، لا تزال أخرى تتماطل أو تدخل في جدل قانوني حول أحقية الدولة في المطالبة بها.

– هذا الواقع يطرح إشكالات حقيقية حول:

يلاحظ من خلال تناول جريدة ” هبة بريس ” واستشارات مهتمين بالمجال ، عن تسجيل وجود ضعف آليات المراقبة الداخلية داخل الأحزاب. و قصور في الإطار القانوني في فرض الشفافية المالية الصارمة. إلى جانب تسجيل غياب ثقافة إرجاع المال العام غير المستعمل باعتباره جزءًا من مسؤولية وطنية لا مجرد التزام إداري.

–  هل تكون المحاسبة عنوان المرحلة المقبلة؟

ملف الدعم العمومي للأحزاب المغربية يكشف عن أزمة حكامة داخلية صامتة، تؤكد أن الإصلاح السياسي لا يمكن أن يتحقق دون إصلاح في التدبير المالي. وإذا كانت الدولة قد فتحت باب الدعم لضمان الاستقرار الحزبي والمساواة السياسية، فإن هذه الأحزاب مطالبة بدورها بتقديم الحساب وتبرير النفقات وفق مقتضيات الشفافية.

المرحلة المقبلة قد تشهد تحولات رقابية أكثر صرامة، خاصة مع تنامي دور مجلس الأعلى للحسابات، وتزايد الضغط الإعلامي والمدني من أجل ربط الدعم العمومي بالمحاسبة المالية الدقيقة.



قراءة الخبر من المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى