الحرب الإيرانية الإسرائيلية: من كسر الردع إلى ملامح شرق أوسط نووي؟

هبة بريس – عبد اللطيف بركة

– الشرق الأوسط على فوهة تحول جذري

عاش الشرق الأوسط خلال الأسابيع الماضية واحدة من أخطر موجات التصعيد العسكري بين إيران وإسرائيل، بعد أن تحولت من ضربات موضعية إلى حرب مفتوحة بطابع تقني واستراتيجي بالغ الحساسية، تبادل الصواريخ، واستخدام الطائرات دون طيار، وخرق الخطوط الحمراء النووية، كلها مؤشرات على ما وصفه بعض المراقبين بأنه ليس مجرد نزاع عسكري عابر، بل مقدمة لنظام أمني جديد في الشرق الأوسط.

فما الذي تغيّر؟ وما الذي قد يحمله المستقبل بعد وقف الحرب المحتمل؟ وهل تجاوزت إيران بالفعل عتبة “الردع التقليدي” إلى الردع النووي؟ وهل ستستطيع إسرائيل إعادة تثبيت ميزان القوى لصالحها؟ هذه الأسئلة تمثل جوهر اللحظة السياسية والعسكرية الراهنة.

– جذور الصراع وتحولات العقيدة

منذ عقود، يرتكز التوتر بين إسرائيل وإيران على معادلة ثابتة: إسرائيل تحتكر السلاح النووي، وإيران ترد بالتحالفات الإقليمية والردع الصاروخي، هذه المعادلة، التي عاشت على توازن هش منذ الثورة الإيرانية عام 1979، بدأت تتفكك منذ انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي عام 2018، وما تبعه من تصعيد إيراني في تخصيب اليورانيوم وتراجع القيود الدولية.

لكن التحول الكبير وقع في أكتوبر 2024، حين ردّت طهران على اغتيال قيادات لحزب الله بقصف صاروخي واسع ضد أهداف إسرائيلية، الرد الإيراني، رغم أنه لم يضرب مفاعلات إسرائيل مباشرة، إلا أنه أشار إلى “نقلة سياسية” في مفهوم الردع الإيراني، تمثلت بدعوات صريحة إلى مراجعة “الفتوى” التي تحرم السلاح النووي.

برلمان طهران ناقش آنذاك مشروع قانون “توسيع الصناعة النووية”، فيما أعاد مجلس الأمن القومي الإيراني النظر في سياسة الردع، ضمن مناخٍ عبّر عنه مقربون من القيادة الإيرانية باعتباره لحظة “تهديد وجودي” تستوجب إعادة هندسة العقيدة العسكرية بالكامل.

– الهجوم الإسرائيلي وتفكك حواجز الرد

في يونيو 2025، نفذت إسرائيل ما وصفه المراقبون بـ”أعنف ضربة وقائية في تاريخها” ضد إيران، الهجوم، الذي شاركت فيه أكثر من 200 طائرة حربية، استهدف منشآت تخصيب، مراكز أبحاث نووية، وقواعد صاروخية، وأشارت معلومات إلى دور استخباراتي مركّب سهّل اختراق الأنظمة الدفاعية الإيرانية.

هذه الضربة، التي نُفذت تحت اسم “Rising Lion”، وضعت إيران أمام خيارين: الاكتفاء برد موضعي يحفظ ماء الوجه، أو التصعيد العلني، وهو ما فعلته عبر عملية “True Promise 3″، التي ضربت منشآت مدنية وعسكرية في تل أبيب وبئر السبع، بما فيها مستشفى سوروكا.

لكن رغم العنف المتبادل، أظهرت الحرب حدود القوة الإسرائيلية: عجز عن تدمير كامل للبنية النووية، واستنزاف لمنظومة القبة الحديدية، وقلق داخلي من تبعات الدخول في حرب استنزاف إقليمية ممتدة.

– ما بعد وقف الحرب – ثلاثة سيناريوهات محتملة

1. عودة إلى التهدئة النووية بشروط جديدة
قد تُفضي الضغوط الدولية الراهنة، خاصة من القوى الأوروبية والصين، إلى تهدئة مشروطة تقود لاستئناف المفاوضات النووية على أساس جديد. في هذا السيناريو، قد تقبل إيران بتجميد البرنامج عند العتبة النووية، مقابل ضمانات أمنية حقيقية، ورفع جزئي للعقوبات.

لكن هذا المسار يتطلب مرونة قصوى من واشنطن، وقبولًا ضمنيًا من إسرائيل بعدم قدرتها على كبح إيران عسكريًا دون حرب شاملة.

2. إيران “نووية فعلًا” دون إعلان
في حال بقي التهديد قائماً، قد تختار القيادة الإيرانية الانتقال العملي إلى صناعة سلاح نووي دون إعلان رسمي، مستندة إلى فتوى قابلة للتعديل وفق الظروف، كما يجيز المنظور الفقهي الشيعي. بهذا الشكل، يُعاد تشكيل ميزان الردع، وتُجبر إسرائيل على التعامل مع خصم نووي للمرة الأولى منذ نشأتها.

3. انهيار الردع الإقليمي وتصعيد دائم

أسوأ السيناريوهات، ويتمثل في استمرار المواجهة على شكل “حرب بالقطعة”، تضمّ جبهات متعددة (لبنان، سوريا، العراق، اليمن)، وتتحول فيها إسرائيل وإيران إلى أطراف في صراع إقليمي موسع، في هذا الوضع، يصبح التهديد النووي غير محسوب، وقد تكون الضربة القادمة هي الشرارة لنزاع شامل يشمل قوى عالمية.

– إعادة تعريف الأمن الإقليمي

من المؤكد أن لحظة 2025 تختلف عن سابقاتها. لقد دخلت إيران إلى “نادي حافة النووي”، إن لم تكن قد تجاوزته فعليًا، فيما لم تعد إسرائيل قادرة على احتكار الردع في المنطقة. وهذا ما يجعل المرحلة القادمة ليست فقط محكومة بإعادة بناء الأسلحة، بل بإعادة رسم الخرائط السياسية والعقائدية.

فكل خطوة إسرائيلية ستأخذ بعين الاعتبار أن أي تهديد مباشر لإيران قد يُقابل برد نووي، ولو محتمل. وكل قرار إيراني بشأن المفاوضات النووية سيقيس رد الفعل الغربي، لا فقط المحلي.

– حين يصبح الدين سلاحًا والعقيدة مرآة للردع

فتوى المرشد الأعلى بتحريم السلاح النووي شكّلت لسنوات صمّام أمان في خريطة الشرق الأوسط، لكن ما أثبتته الحرب الأخيرة هو أن الفتاوى ليست مطلقة، بل مرهونة بالبقاء السياسي والردع الاستراتيجي، ولعل أخطر ما كشفت عنه هذه المواجهة، هو أن الأمن الإقليمي لم يعد رهين توازن عسكري فقط، بل رهين تحوّلات فكرية في قلب العقيدة الحربية والدينية.

وإذا صحّ أن إيران باتت قادرة على امتلاك السلاح النووي، فالشرق الأوسط مقبل على أكثر مراحله حساسية منذ اتفاق سايكس–بيكو. أما السلام، فقد لا يكون ممكنًا إلا إذا توافق الكل على قاعدة واحدة: “الردع المتبادل… لا النفي المتبادل”.



قراءة الخبر من المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى